التحنيط احد مظاهر التقدم فى الحضارة المصرية القديمة ويدل على مدى ما بلغته فى فهم اسرار كثيرة من اسرار العالم وعن مقدار الذخيرة الصحيحة التى حصلت عليها من المعارف العلمية الدقيقة والصحيحة
وقد كان قدماء المصريين يؤمنون بفكرة الحياة بعد الموت. وكانت الديانات المصرية القديمة تقول إن الإنسان لا يمكن أن يبعث في الآخرة إلا بعد أن تعود الروح إلى الجسد.
واعتقد الفراعنة أنه ينبغي تحنيط الميت لحماية جثته من التحلل كي تتمكن الروح من العثور على الجسد لتتم عملية البعث.
وقد طور الفراعنة أساليب التحنيط على مدى مئات السنين واكتشفوا أنه يجب في البداية إزالة الأعضاء الداخلية لحماية الجثة من التحلل، ثم معالجتها بالأملاح والأصماغ وزيت الأرز والعسل والقار بهدف تجفيفها وحمايتها من الجراثيم.
وذكر الباحثان في تقرير نشراه بمجلة نيتشر العلمية أن اختيار مكونات مواد التحنيط كان يتأثر بعامل التكلفة وبصيحات الموضة التي كانت سائدة.
إذ كان أثرياء قدماء المصريين يحرصون على شراء مواد التحنيط الثمينة لتكريم موتاهم مثلما يلجأ بعض الأثرياء اليوم لشراء التوابيت الثمينة وبناء المقابر الفاخرة.
أن سر التحنيط يظل دوما أكثر ألغاز الفراعنة غموضا وإثارة .......
لقد ظل التحنيط فى بادىء الامر مقصورا على الملوك والطبقات الغنية ، ولكن عرفت واستعملت اخيرا طرق اخرى للتحنيط ابسط وارخص بحيث تمكن الفقراء من ان يستفيدو من بعض العمليات الحافظه لجثثهم وخصوصا عملية التجفيف بالنطرون ، وان يكون لديهم هم الاخرون امل الحصول على الحياه الابدية .
والاشاره الوحيده المعروفه لدينا حتى الان لاى وصف قديم لطرق التحنيط هى الفقرات القليله التى ذكرها كل من هيرودوت وديودورس ، وهما المؤرخان الوحيدان اللذان تركا لنا بعض البيانات عن هذه العملية اذ ان النصوص المصرية القديمة - كما هو معلوم حتى الان - لا تحتوى على اية تفاصيل عن طرق التحنيط .
واقدم وصف تفصيلى هو الوصف الذى ذكره هيرودوت الذى رحل الى مصر حوالى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد (460 ق.م)
وبناء على ما ذكره هيرودوت استخدمت ثلاث طرق مختلفة للتحنيط :
الطريقه الاولى :
وهى اغلى الطرق ثمنا ، وفيها يستخرج جزء من المخ بطريقه اليه ويستخرج الباقى بواسطة العقاقير (ولكن طبيعتها غير مذكورة) وتستخرج محتويات البطن (ويحتمل ان يكون المعنى المقصود ان تشمل هذه ايضا محتويات الصدر فيما عدا القلب ، ولو ان هذا لم يذكر بالتحديد) وتغسل الاحشاء المستخرجه بعرق النخيل والتوابل ثم يحشى التجويف بالمر والقرفة ومواد عطرية اخرى (انواعها غير مذكوره) عدا بخور اللبان ، وبعد ان يخاط شق التحنيط كانت الجثه تعالج بالنطرون ثم تغسل وتدثر فى لفائف كتانية كانت تلصق بعضها ببعض بالصمغ .
الطريقه الثانية :
وفيها كانت الجثه تحقن بزيت الارز عن طريق الشرج ثم تعالج بالنطرون .
الطريقه الثالثه :
وهى ارخص الطرق الثلاث وقد اختارتها الطبقات الفقيره ، وتتضمن غسل الجثة والاحشاء بواسطة حقنه شرجية ، ثم يلى ذلك المعالجة بالنطرون .
** شرح مراحل التحنيط **
مما سبق يمكن اجمال خطوات التحنيط فيما يلى :-
1- استخراج المخ من الجمجمة بالشفط عن طريق الانف باستعمال الازميل والمطرقة للقطع من خلال الجدار الانفلا وبعد ذلك يسحب المخ من خلال فتحة لانف بسنارة محماة ومعقوفة
2- استخراج احشاء الجسد كلها ما عدا القلب (( مركز الروح والعاطفة )) وبذلك لا يبقى فى الجثة اية مواد رخوة تتعفن بالبكتريا اما بالفتح او حقن زيت الصنوبر فى الاحشاء عن طريق فتحة الشرج
3- يملى تجويف الصدر والبطن بمحلول النطرون ولفائف الكتان المشبعة بالراتنج والعطور وهى جميعا مواد لا يمكن ان تكون وسط للتحلل والتعفن بالبكتريا
4- تجفيف الجسد بوضعه فى ملح النطرون الجاف لاستخراج كل ذرة مياه موجودة فيه واستخلاص الدهون وتجفيف الانسجة تجفيفا كاملا
5- طلاء الجثة براتنج سائل لسد جميع مسامات البشرة وحتى يكون عازل للرطوبة وطاردا للاحياء الدقيقة والحشرات فى مختلف الظروف حتى لو وضعت الجثة فى الماء او تركت فى العراء
6- فى احد المراحل المتقدمة من الدولة الحديثة تم وضع الرمال تحت الجلد بينه وبين طبقة العضلات عن طريق فتحات فى مختلف انحاء الجثة وبذلك لكى تبدوا الاطراف ممتلئة ولا يظهر عليها اى ترهل فى الجلد
7- استخدام شمع العسل لاغلاق الانف والعينين والفم وشق البطن
8- تلوين الشفاه والخدود بمستحضرات تجميل
9- لف المومياء باربطة كتانية كثيرة قد تبلغ مئات الأمتار مدهونة بالراتنج يتم تلوينها باكسيد الحديد الاحمر ( المغرة الحمراء ) بينها شمع العسل كمادة لاصقة
وفيما يلى كشف شامل للمواد التى ذكر هيودوت وديودورس انها قد استخدمت فى عملية التحنيط ، وبعض المواد الاخرى التى ذكر بلينى ان المصريين قد استخدموها لهذا الغرض ، والمواد التى وجد فى العصر الحاضر ان لها علاقه بالموميات :
شمع النحل - القار - الكاسيا (نوع من القرفه) - زيت الارز - سدرى سوكوس - سدريوم - القرفه - الصمغ - الحناء - حب العرعر - الجير الحى - النطرون - الدهانات - البصل - عرق النخيل - الراتنجيات - (وتشمل الراتنجيات الصمغية والبلسمات) الملح - نشارة الخشب - التوابل - قطران الخشب .
كانت الاعضاء توضع فى أواني سميت بالأواني الكانوبية التي كانت تتخذ شكل الأربع أبناء لحورس وهم:-
"إمست " IMSET و"حابي" HAPY و"دواموتف" DAAMTEF وقبح سنوف KEBEHSENOF
الاوانى الكانوبية اتخذها المصريون منذ الدولة القديمة لحفظ الاحشاء التى كانت تستخرج عند التحنيط
امستى لحفظ الكبد
حعبى لحفظ الرئتين
دواموتف لحفظ المعدة
قبح سنوف لحفظ الاحشاء
وأظهرت التحاليل التي أجريت على عينات مأخوذة من مومياوات تنتمي لعصور متلاحقة أن الفراعنة طوروا مواد التحنيط بمرور الزمن بإضافة مكونات قاتلة للجراثيم لحماية المومياوات من التحلل.
وقد أجرى تلك الدراسة اثنان من علماء الكيمياء بجامعة بريستول في بريطانيا، بهدف دراسة تطور أساليب التحنيط على مدى ألفي وثلاثمئة عام من عمر الحضارة الفرعونية.
ورصد العالمان تطور مواد التحنيط من خلال التغير الذي طرأ على مكوناتها خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة.
وقال الباحثان وهما الدكتور ريتشارد إيفرشيد والدكتور ستيفن باكلي إن الزيوت النباتية والدهون الحيوانية كانت من المكونات الأساسية لمواد التحنيط.
ويعتقد العالمان أن قدماء المصريين كانوا يمزجون تلك الزيوت والدهون التي كانت متوفرة ورخيصة الثمن بكميات محدودة من مواد أخرى نادرة وباهظة الثمن لتحضير المواد التي كانوا يستخدمونها في تحنيط الموتى.