أفلام أسمهان تشبه حياتها

فيلمان يشبهان أسمهان الأول فتاة قادمة على طريق الفن والثاني مطربة مشهورة تقتل بحادث غامض ..

فيلمان فقط هما حصيلة عمل أسمهان في السينما غناء وتمثيلا ومثلهما غناء بلا تمثيل ، وهما قد لا يشكلان تاريخا سينمائيا إذا جرت مقارنة بينها وبين نجوم السينما الذين بلغ عدد أفلامهم أكثر من ثلاثمائة فيلم ، أو حتى أولئك المطربين الذين سجلوا نحو عشرة أفلام في السينما العربية .

هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل ماذا يمكن أن نكتب عن سينما أسمهان ،وقد مضى على إنتاج فيمليها نحو خمسة وستين عاما ؟

وبالتالي إذا أردنا أن نتحدث عن فيلميها ، فعلينا أن نطرق موضوعا ذا فكرة لم تطرق من قبل ، يثير الحديث من جديد عن شخصية ثرية في حياتها وعطائها الفني ،مستذكرا أن أي عمل إبداعي يقدمه مواطن سوري ويستطيع أن يتجاوز به حدود الوطن وينال شهرة واسعة هو عمل وطني بالتأكيد.

فيلمان فقط لأسمهان ومثلهما غناء صوتا بلا صورة ، قد لا يشكلان أكثر من قطرتين في بحر السينما العربية ، ولكن ما يقلب موازين القوى لصالح بطلتنا أنهما محفوران في الذاكرة ، لأن أسمهان كانت البطلة فيهما ، في حين نسينا مئات الأفلام التي أداها آخرون ، مات ذكرها بموتهم أو بانتهاء الموجة السينمائية التي صنعت تلك الأفلام في إطارها .

هذه واحدة ..

ماذا يمكن أن نتحدث عن أسمهان كممثلة ؟

وقد أدت فيلميها في ظروف عصيبة وكانت ملاحقة خلال عملها ولا سيما فيلمها الثاني فكانت تعمل بإصرار وتحد وكأنها في سباق مع الزمن ، بل وكأنها تسابق الموت الذي يترصدها في حلها وترحالها المتواصل.

هذه ثانية ..


هناك نقاط يمكن النقاش حولها ونحن نتحدث عن سينما أسمهان،نقاط تسجل لصالح أسمهان كممثلة وهاوية للسينما على مستوى الأداء ،وهو ما لم يذكر من قبل .

هذه ثالثة ..





الأمر المدهش في سينما أسمهان أن أفلامها تشبهها ، ونكتشف أن ثمة تقاطعا بين الخيوط الدرامية لأفلامها مع جانب من وقائع مشهودة من حياتها .

من هذه النقطة يمكن ان نختار حديثنا عنها وعن أفلامها ،ونؤسس لموضوع مستجد عن تقاطع بعض أحداث حياتها مع فيلمين مضى على إنتاج أولهما ثمانية وستين عاما وثانيهما خمسة وستين عاما ، ويمكن في هذا الجانب أن نتحدث عن المشترك بين الفيلمين وخطوط حياتية لبطلة قضت في ريعان الشباب ولما تكمل المشاهد الأخيرة من فيلمها الثاني حسب ما قيل آنذاك ويتكرر قوله حتى الآن .


ولدت أسمهان في البحر عندما كانت الأسرة عائدة من أزمير إلى بيروت بعد أن ترك الأمير فهد منصب القائمقام في منطقة ديمرجي التركية إثر خلافة مع العثمانيين وتعرض المنطقة التي يحكمها لتحالف أوروبي ضد العثمانيين ،ولم يكد يستقر في سورية بضع سنين حتى جاء الاستعمار الفرنسي .

وفي البداية حاول ان يكون وسيطا للتفاهم بين سلطات الانتداب وبين أبناء شعبه ،وعندما اكتشف أن الفرنسيين لا يختلفون في شيء عن أي استعمار آخر ، ترك القصر المخصص لمندوب الجبل وانضم إلى الثوار المجاهدين ضد الاستعمار في عام 1922 .


وكان على الأسرة أن تنتقل إلى مكان آخر بعيدا عن الحرب التي شنها الجيش الفرنسي على الجبل والمناطق السورية ،وقد توجهت في البداية إلى دمشق ثم بيروت، وعندما وجدت الأسرة أنها ملاحقة لتكون رهينة مقابل أن يستسلم الأمير الثائر فهد الأطرش،وجه الأمير أسرته إلى مصر بعد أن زودها بمبلغ تتدبر به أمر معيشتها .


وربما هناك سبب آخر دفع عالية لترك الجبل وهي أن الأمير فهد تزوج في السنة 1921 في الجبل ميسرة الأطرش ،وهي أم منير ومنيرة وكرجية واعتدال .


ولم تكد الأسرة المكونة من عالية المنذر والأطفال فؤاد وفريد وآمال تستقر في مصر نحو عامين حتى جاء الخبر الفاجع وفقدت الأسرة معيلها.

ففي عام 1924 فارقت الروح جسد فهد الأطرش ، فانقطع مورد المعيشة عن الأسرة ،وأصبح لزاما على الأميرة عالية أن تتدبر معيشتها في منطقة تبتعد أكثر من ألف كيلومتر ،سواء بينها وبين أهلها في مجدل شمس أو بينها وبين أهل زوجها في جبل العرب.

فعملت عالية في أعمال شتى ،ورغم ضنك العيش أصرت أن يتلقى أولادها تعليمهم في المدارس الحكومية ،ثم أوكلت تثقيفهم موسيقيا إلى موسيقيين كبار بعد أن وجدت ميلا من فريد لتعلم الموسيقى، وكانت هي أستاذة في هذا الفن وتعطي دروسا للأطفال كي تسد جانبا من متطلبات الأسرة ،ثم سجلت بصوتها بضع أسطوانات ،وليكتشف أحد الموسيقيين الذين تتعامل معهم صوت الصبية الجميلة (أسمهان) فتعهدها بالتعليم والتدريب وفن الإلقاء،حتى أصبحت قادرة على أداء مختلف أنواع الأغاني .

ثم كانت بدايتها مع شقيقها فريد في صالات الطرب وبدأت هي عملها في صالة ماري منصور التي لم تكن مشهورة لكن غناء أسمهان فيها جذب إليها الأنظار،ونظرا للشهرة التي حققتها جاءها عرض فيلمها الأول انتصار الشباب ، وتولى فريد ترتيبات الاتفاق مع المنتجين بيضا وتلحمي . وإذا نظرنا إلى أداء أسمهان في الفيلمين نلاحظ أنها متقنة لفن التمثيل كما هي متقنة لأداء الأغاني، وقد رأيناها تلبس الدور كما يقال في المصطلحات النقدية المعاصرة ، ففي فيلمها الأول ( انتصار الشباب ) أدت ببراعة دور الفتاة المبهورة بالمدينة المبتدئة في عالم الفن ،وفي غرام وانتقام أدت بامتياز دور المطربة المشهورة وأعطت الشخصية أبهادها كاملة .



ولاحظنا أنها تمتلك لغة متينة حتى في الفصحى عند قراءة الرسالة لأنور وجدي، ووصلت سلامة النطق عندها إلى إتقان لفظ الكلمات وفق مخارج الحروف ،وهو ما لم تتقنه سوى قلة من الممثلات الأكاديميات آنذاك ، وتلاحظ مسألة إتقان مخارج الحروف في كل أغانيها ولا سيما القصائد، وهي في الوقت ذاته تتقن مختلف اللهجات مثلا اللهجة الصعيدية في أغنية محلاها عيشة الفلاح ،وهي بالمناسبة كانت تتقن اللغتين الفرنسية والإنكليزية .

أغاني الأفلام

قبل انتصار الشباب كانت لأسمهان تجربتان في الغناء بلا ظهور على الشاشة ، والمشهور منهما فيلم (يوم سعيد )مع محمد عبد الوهاب في عام 1939 .

وهناك من يذكر أن أسمهان غنت في فيلم ( زوجة بالنيابة ) الذي عرض في عام 1936 من تأليف وإخراج أحمد جلال وغنت فيه ( يا حبيبي تعال ألحقني ) .

وهناك خطأ شائع أن أسمهان غنت ( ليت للبراق عينا ) في فيلم (ليلى بنت الصحراء ) ، والصحيح أن أسمهان غنت ليت للبراق عينا في عام 1937بعد عودتها إلى القاهرة وبعد عام من تسجيل الأغنية بصوت المطربة حياة محمد ،وقبلها سجل الأغنية إبراهيم حمودة،وقد أوقفت الرقابة عرض الفيلم في تلك السنة وبقي محجوبا عن الجمهور سبعة أعوام ، وتم تعديله ليعرض معدلا باسم ( ليلى البدوية ) في عام 1944.

وبمعنى أن الأغنية اشتهرت بصوت أسمهان قبل أن يعرض الفيلم باسمه الجديد ويشاهده الجمهور،ولذلك حدث نزاع حول ملكية الأغنية بين المنتجة بهيجة حافظ التي اعتبرت الأغنية ملكا لها ولا يحق للموسيقي التصرف بها قبل عرض الفيلم ،وبين القصبجي باعتباره مبدع اللحن وحسب جمعية المؤلفين والملحنين فإن المؤلف الموسيقي هو صاحب الحق بأغنيته ، كما قيل أن بهيجة حافظ شاركت القصبجي باللحن .

وبسبب هذا الخلاف منعت السلطات المصرية تسويق الأسطوانة في مصر وبث الأغنية في الإذاعات المصرية بصوت أسمهان وحياة محمد بسبب عدم الفصل في قضية حقوق ملكيتها ، ولكن الأغنية وصلت إلى بلاد الشام وبثت من إذاعات سورية ولبنان وفلسطين ،وعاشت الأغنية بصوت أسمهان ،وذهب صوت حياة محمد إلى زوايا النسيان .

وأدت أسمهان في فيلم ( يوم سعيد ) عام 1939 أغنيتين،هما محلاها عيشة الفلاح، وكانت باللهجة الصعيدية، وأوبريت ( قيس وليلى ) بمشاركة محمد عبد الوهاب في مشهد من مسرحية ( مجنون ليلى ) لأمير الشعراء أحمد شوقي .

كان عبد الوهاب يطمح أن يمثل في المشهد شخصية قيس وان تقف أمامه أسمهان بشخصية ليلى، وقد ظهرت أقوال عديدة حول أسباب عدم ظهورها في الفيلم ،والسبب الأرجح أن مخرج الفيلم محمد كريم اعترض على أداء أسمهان لشخصية ليلى لأنها بيضاء وذات عيون خضر وهما صفتان ليستا من صفات أهل البادية، وكذلك الأمر بالنسبة لظهورها بأغنية صعيدية ، فملامحها لا تتوافق مع ملامح أهل الصعيد .

ونلاحظ أن الأغنيتين مقحمتان على الفيلم ،وكان عبد الوهاب يريد أن يحقق من خلال الأوبريت جانباً من حلم ظل يسعى إليه وهو تقديم قيس وليلى في السينما أو المسرح ،وكان أحمد شوقي قد وعده بتمويل العمل ،ولكن وفاة شوقي أطاحت بأحلام عبد الوهاب،وحال عدم توفر التمويل دون تحقيق حلمه .

وعندما اشتهرت أسمهان عاوده الحلم، وأراد عبر فيلم يوم سعيد أن يرسل رسالة إلى الممولين بأهمية مسرحية أحمد شوقي ،ويضاف إلى ذلك انشغال أسمهان ومرورها بظروف صعبة ، وعندما أصبح عبد الوهاب قادرا على تحقيق الحلم كانت القضاء قد حل بأسمهان .

وعندما سئل عبد الوهاب بعد ذلك عن سبب تلاشي همته لإنتاج أوبريت قيس وليلى،أجاب : قيس موجود ـ يقصد نفسه ـ لكن ليلى لم تعد موجودة ، يقصد أسمهان .

وهناك من يقدم تفسيرا آخر لعدم ظهور أسمهان في الفيلم وهو محمد التابعي نفسه إذ يذكر أن

أن محمد عبد الوهاب قام بتسجيل أغاني فيلم يوم سعيد في استديوهات أثينا ،وكان يريد أن تظهر معه أسمهان بدور ليلى ،وعندما فقد الأمل في إمكان أن تلحق به إلى أثينا لتسجيل الأغنية بصوتها على اسطوانات، آثر أن لا يظهر هو أيضا ،ويبرر التابعي عدم ذهاب أسمهان إلى أثينا بسبب خوفها إن غادرت مصر أن لا تستطيع العودة مجددا في ذلك الوقت.

غنت أسمهان دور ليلى ،ومثلت دور ليلى على الشاشة الممثلة فردوس حسن وقام بدور قيس الممثل أحمد علام وبدور والد ليلى عباس فارس.

انتصار الشباب

في عودة إلى فيلم ( انتصار الشباب ) نذكر أنه من إنتاج وتوزيع تلحمي وعرض في القاهرة بتاريخ 24 آذار 1941، وإذا علمنا أن فترة طويلة تمر بين التصوير والعمليات الفنية والبرمجة في الصالات لا تقل عن أربعة أشهر نستنتج أن أسمهان صورت الفيلم في أواخر عام 1940على الأقل .



جاء في بطاقة فيلم ( انتصار الشباب )

إخراج أحمد بدرخان

قصة عمر جميعي

إنتاج شركة أفلام النيل

حوار بديع خيري

كلمات الأغاني أحمد رامي بيرم التونسي يوسف بيدروس لطفي الحكيم

مكياج حلمي رفله

المصور فرانسوا فاركاش

ديكور جعفر والي

مدة الفيلم 125 دقيقة

مساعد مخرج محمد عبد الجواد

مونتاج هنري بركات

ملاحظ السيناريو كامل مدكور

مساعد مصور يوسف معلوف

تسجيل الأغاني مصطفى والي

صوت سابو

مدير الإنتاج جبريل تلحمي

أول عرض 24 / 3/ 1941

تمثيل أسمهان فريد الأطرش أنور وجدي بشارة واكيم عبد السلام النابلسي علوية جميل فؤاد شفيق استيفان روستي حسن فايق حسن كامل لطفية أمين محمود رضا.


يحكي الفيلم شاب موسيقي موهوب وحيد وأخته نادية يكافحان في سبيل الفن وجلب الرزق يعثرا على مسرح للعمل بعد أن يسمع الناس صوت نادية بالصدفة ترفض نادية مجالسة الزبائن فيطردها صاحب الملهى .

تقع نادية في حب شاب من أبناء الذوات فترفض أمه الزواج ،ويقع فريد في حب فتاة ، ويكافح الجميع ويجدون من يحقق أحلامهم الفنية في إنتاج أوبريت انتصار الشباب ، وتنصون على المعاناة .


نلاحظ تقاطعات عديدة بين بعض خطوط حياة أسمهان في بدايات عملها الفني مع بعض الخطوط الدرامية في فيلمها الأول ( انتصار الشباب ) ، فالفيلم يحكي قصة شاب موسيقي مغمور قدم مع أخته بالقطار إلى المدينة بحثا عن العمل والنجاح ، وبالمناسبة وصلت الأسرة إلى مصر بالقطار، واكتشفوا صوت أسمهان بالصدفة كما الفيلم ، واشترطت أسمهان في عقودها الغنائية منذ بداية عملها الفني أن لا تجالس الزبائن ، كما في الفيلم أيضا .

كانت أسمهان ترغب أن تستمر في عالم السينما لأنه الأرقى حسب ما نقل عنها ،أما الغناء فهو دون مستوى أميرة الجبل ،ولكنها اضطرت إليه لتدبر أمور المعيشة .

واكتشفت أن المنتج تلحمي اشترط في العقد ان لا تمثل في أي فيلم قبل مرور عامين على عرضه، وهو الأمر الذي لم تتوقف عنده خلال العقد بل نسيته بعد نجاح الفيلم ، وكذلك الأمر بالنسبة لفريد لأن حبهما للسينما جعلهما لا يدققان كثيرا في شروط المنتج .

والغريب ان المنتج أخذ تعهدا على أسمهان بعدم الظهور في أي فيلم قبل مرور عامين على عرضه ، بينما لم يكن هذا التعهد واردا في عقد فريد الأطرش الذي قام ببطولة فيلمه الثاني (أحلام الشباب ) وعرض في 16 تشرين الثاني 1942.

وهكذا كان على أسمهان أن تنتظر إلى عام 1943 لتمثل فيلمها الثاني ، وتأخر الفيلم الثاني عاما آخر بسبب الظروف الصعبة التي كانت تلاحقها عقب شهرتها .

وعقب عرض فيلم انتصار الشباب ازدادت الحملة المسعورة على أسمهان وكان على رأسها سكان القصر الملكي ،وبدأت الملاحقة بسحب الجنسية المصرية منها استنادا إلى قانون سحب الجنسية ممن تتزوج بأجنبي ،والأجنبي حسب تفسير وزارة الداخلية المصرية آنذاك الأمير حسن الأطرش حاكم الجبل أو محافظ السويداء حسب التسمية الحالية .

ووقعت أسمهان منذ ذلك الوقت في دائرة صراع العشاق ، نازلي وحسنين باشا وفاروق ،ويضاف إليهم من خارج القصر أحمد سالم كلاعب ماهر مع هؤلاء خارج أسوار القصر،وهو الصراع الذي أنتج قرارا باغتيال أسمهان.

وفي الوقت ذاته دخلت على خط حياتها قوى الحلفاء الذين أقنعوها بلعب دور في تهدئة الجبل خلال دخولها على سورية لطرد القوات الفرنسية التابعة لحكومة موالية للألمان عرفت باسم حكومة فيشي .

وعاشت أسمهان يعيدا عن القاهرة بسبب المهمة التي قبلت بها على مضض وهي المهمة التي جعلتها على صلة بالأدوات التنفيذية لحكومات باريس ولندن ويقال أيضا أنها كانت على علاقة بالألمان.

وربما هذا ما جعلها تقدم راضية على المهمة التي أسندت إليها في سورية بعد أن اكتشفت متأخرة التحالف غير المقدس ضدها في القاهرة ،والذي اتضح فيما بعد أنه لا يقتصر على القصر وأحمد سالم بل ضم المخابرات البريطانية الذي كان أحمد سالم على صلة بها ،وكذلك زوجته السابقة أمينة البارودي التي كانت تعد نفسها الصديقة الأولى لأسمهان ، ويمكن أن نضيف إليهم الراقصة تحية كاريوكا التي تزوجت أيضا أحمد سالم وتخلت عنه لأسمهان ولعبت دورا في اللحظات الأخيرة التي سبقت اغتيال أسمهان .

غرام وانتقام

عاشت أسمهان متنقلة بين الجبل ودمشق والقدس وبيروت ،ولكن أغلب تواجدها كان في الجناح الملكي بفندق الملك داوود في القدس ،وهو المكان الذي كان يساعدها أكثر في أداء عملها للاتصال بالأقارب في الجبل والاتصال بالملحنين في مصر والأصدقاء في سورية ولبنان .

وكان فندق الملك داوود المقر المفضل للطبقة الراقية في بلاد الشام والرافدين والنيل ،ومر بهذا المكان الملكة نازلي واحمد حسنين ،والمرة الأخيرة كانت زيارة تحية كاريوكا وزوجها أحمد سالم وكانت في طريقها إلى حلب ،وقد تركت أحمد سالم في فندق الملك داوود .

وفيما كانت أسمهان في قلب المهمة جاء إليها مبعوث من استوديو مصر يخبرها بالموافقة على إنتاج فيلم من بطولتها مع يوسف وهبي ،وقبلت أسمهان على الفور لأنها كانت تحب السينما ،ولم تكن تدري ان دعوتها لهذا الفيلم كانت طبخة أعدت في القصر الملكي بالاشتراك مع اللاعبين البريطانيين والفرنسيين في المنطقة .

جاء عرض فيلم (غرام وانتقام) قبل زواجها من أحمد سالم ولكي تتمكن من دخول مصر بشكل قانوني وجدت في فنان مصري يعمل في سورية هدفها ،وهكذا كان زواجها من المطرب والممثل فايد محمد فايد الذي ضرب الرقم القياسي في الزواج حيث بلغ عدد زوجاته أربعين إلا زوجة واحدة فقط .

وتم تصوير الفيلم في استوديو مصر ورأس البر وفي زحلة وبعض مناطق لبنان وكانت خلال التصوير مهددة في كل لحظة .

غرام وانتقام

أخراج وقصة وسيناريو وحوار يوسف وهبي

أنتاج وتوزيع شركة مصر للتمثيل و السينما ( ستوديو مصر )

تصوير سامي بريل

أبيض و أسود 125 دقيقة

مونتاج : صلاح أبو سيف

ديكورات : ولي الدين سامح

موسيقى و ألحان : محمد حسن الشجاعي ،فريد الطرش

الأغنيات : ليالي الأنس ،أمتى ح تعرف ، أغنية الجيش، أنا اللي أستأهل ، أيها النائم

تمثيل أسمهان , يوسف وهبي , أنور وجدي , بشارة واكيم , زوزو ماضي , محمود المليجي , أمينة شرف ,كمال بركات , فاخر فاخر

أول عرض 10/12/ 1944 بسينما ستوديو مصر

يحكي الفيلم عن مطربة مشهورة تدعى سهير تقع في غرام وحيد عزت وهو شاب ثري زير نساء وقبل الزفاف يموت برصاصة مجهولة ،ويبدأ صفوت وكيل النيابة في التحقيق وهو ابن عم القتيل،ويتوصل إلى ان الموسيقار جمال حمدي هو المشتبه الرئيسي لكن الدلائل غير كاملة لإدانته ، وتتطوع سهير ان تدخل حياة جمال وأن ترسم علية الحب حتى تتوصل إلى معرفة الحقيقية ، ويعترف جمال لها أنه قتل وحيد لأنه غرر بأخته الساذجة ، و أنه مات أثناء مشاجرة معه .

يتم القبض على جمال و يكتشف أن سهير خدعته فيصدم لكنها تعترف له أنها أحبته ويتم الإفراج عن جمال بعد أن يثبت أنه كان في حال دفاع عن النفس وفي ليلة زفافه إلى سهير تصدمها سيارة، فيصيبه الجنون لوفاتها .


إذا أردنا استخدام تطبيق ( نظرية المؤامرة ) على حياة أسمهان ، يمكن أن تجدها متطابقة تماما ً مع الطريقة التي استخدمت في فيلمها الثاني والأخير غرام وانتقام .

كانت أسمهان تعيش باطمئنان بعيدا ًعن القاهرة، وما عكر عليها خلال تواجدها في القدس أن الملكة نازلي جاءت إلى الفندق وطلبت أن تنزل في الجناح الملكي بفندق الملك داود ، وكان آنذاك المقر المفضل لأسمهان حيث تدبر فيها كافة شؤون حياتها

وطلبت نازلي من إدارة الفندق نقل أسمهان إلى مكان آخر ورفضت أسمهان الطلب ، إذ أن نازلي يمكن أن تحكم في القاهرة لكنها هنا مجرد ضيفة ،وأسمهان لها كلمة واسعة وهي قريبة من أهلها وعشيرتها .

وكان أن قامت أسمهان بطرد نازلي من الفندق أثر مشادة كلامية أمام مرأى ومسمع من مرافقة الملكة وحاشيتها وموظفي الفندق الذين وقفوا على الحياد ليروا نتيجة الصراع بين أميرة الجبل وملكة مصر.

وقد غادرت نازلي الفندق لكنها يبدو أنها كانت تضمر شيئا ً فقد خرجت وهي تتوعد، ولم يمض وقت طويل حتى جاء من يخبرها بترشيحها لفيلم مع يوسف وهبي غرام و انتقام.

لم تعرف أسمهان ماذا وراء هذا الفيلم لكنها المعروفة بعشقها للسينما وافقت على الفور وبدأت تتدبر أمر ذهابها إلى مصر .

كانت هناك مطربات كثر في مصر وممثلون من أصل سوري مثل أنور وجدي و ماري منيب وتواجدوا في ذات الفترة ، وكانت صباح نازك ونور الهدى وحسيبة رشدي ولم تتعرض أيا منهن للمضايقات التي تعرضت لها أسمهان لكن يبدو أن أسمهان كانت تؤرق بعض كبار القوم.

أدت أسمهان دورها كاملا وسجلت أغنيات المطلوبة وفي الوقت نفسه بدأ أحمد سالم بفعل اللازم وخلق المناخ المناسب للخلاص من أسمهان .

طبعا كانت الاغتيال مقررا مسبقا ً ولكن الجناة لم يريدوا للجهة المنتجة وهي شبه رسمية أن تخسر فتركوا تنفيذ الجريمة إلى نهاية الفيلم .

واللافت للنظر ان خيوط الفيلم تتطابق تماماً مع جانب كبير من الأيام الأخيرة لأسمهان ،هناك شاب يحبها وآخر تزوجها لكنه مستهتر ،يشتبه فيها وكان فتنطلق الرصاصة لتصيبه .

جرت الحادثة بشكل أخر عندما هجم أحمد سالم أسمهان ليقتل أسمهان هربت إلى الحمام، وسارعت صديقتها ماري للاتصال بالشرطة والقصر، فيأتي ضابط في اللحظات الأخيرة ويحاول ان ينتزع المسدس من يد أحمد سالم ، ويتعاركان فتنطلق رصاصة .

وهنا بعض التبديل في سيناريو الحياة يختلف عن سيناريو الفيلم حيث يصاب الضابط بحرج طفيف ويصاب أحمد سالم بالرصاصة ذاتها لتستقر في القلب وتتحرك بعد خمس سنوات لتقتله .

تغني أسمهان في الفيلم قرب حبيبها المقتول أيها النائم وتتعهد للانتقام من الفاعل،وأسمهان في الحياة تزور زوجها أحمد سالم والضابط المصاب بعد أن حاول قتلها في المشفى وتودعه لتقضي بضعة أيام راحة في راس البر ولتكون نهايتها الفاجعة الغامضة حتى الآن وبينما العاشق يريد أن يعرف الحقيقة باتون ببطة الفيلم جثة هامدة.

هذا التقاطع في بعض الخيوط يجعلنا نتساءل هل كتب سيناريو الفيلم لينفذ كما جاء فيه ، ونسأل هل جرى استدراج أسمهان كي تعود إلى مصر وتقتل؟

وهل من المصادفة ان يتطابق بعض خيوط الفيلم مع ما حدث فعلا مع أسمهان ولاسيما حادثة العراك بين أحمد سالم ورئيس القلم السياسي في المخابرات المصرية ؟

الكاتب محمود صلاح سرد الليلة الأخيرة كما أسماها على الشكل التالي :

حاولت تحية كاريوكا الزوجة السابقة لأحمد سالم ان تقوم بتمثيلية للتفريق بين احمد سالم وبين أسمهان لحساب مدير الأمن العام حسب ما ذكره الكاتب الباحث،ودخل أحمد سالم المنزل وهو يشهر مسدسا يريد قتل أسمهان وبعد ذلك توجه اليوزباشي محمد إمام إلى منزل أحمد سالم في محاولة للقبض عليه ،وكان أحمد سالم يهم بقتل أسمهان .

حاول الضابط انتزاع المسدس غير المرخص ،لكن أحمد سالم استمات على المسدس فانطلقت منه رصاصات أصابت الاثنين وبعدها مباشرة نقلا للمشفى ثم حوكم أحمد سالم بتهمة محاولة اغتيال أسمهان ،في قضية تابعتها الصحافة تحت عنونا مأساة أسمهان وأحمد سالم .

وكان الجميع على علم بتحركات أسمهان ،ومع أنها استيقظت باكرا صباح الجمعة 14 تموز لتذهب بالقطار إلا أن السائق فضل المرسل إليها من استوديو مصر أفاد أن المقاعد كلها محجوزة، واقترح ان تذهب بسيارة من تابعة لاستوديو مصر،وللعلم كانت السيارة التي أرسلت إليها ببابين فقط بحيث إذا جرى حادث لا تتمكن أسمهان وصديقتها من الخروج ، مما يعزز نظرية المؤامرة، بل مما يثير العجب ما ورد في محضر الشرطة أن السائق مجهول ، بل مما يعززها أكثر أن الحادثة جرت في فترة الظهيرة حيث كان جميع الرجال في صلاة الجمعة ،وبالتالي لن تجد منقذا إذا وقعت السيارة في البركة.

أن أعادة التحقيق في مقتل أسمهان ونشر محاضر الشرطة حول ما حدث خلال الأسبوع الأخير في حياتها كفيل بكشف الحقائق الخفية ويفسر الوقائع الغامضة ولتصبح خفايا اغتيال أسمهان واضحة للعيان .